فصل: رمة قاسم المؤذي الكاشف غريم السفطي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


ثم في يوم الاثنين العشرين من ذي القعدة استقر الأمير جانبك اليشبكي والي القاهرة في حسبة القاهرة مضافًا لما معه من الولاية وشد الدواوين والحجوبية وجانبك هذا أحد من رقاه المقر الصاحبي ناظر الخاص المقدم ذكره‏.‏

ثم في يوم الخميس ثالث عشرين في القعدة أيضًا نودي بالقاهرة على ولي الدين السفطي بأن من أحضره إلى السلطان يكون له مائة دينار وهدد كل أخفاه بعد ذلك بالعقوبة والنكال‏.‏

ثم في يوم الخميس ثامن ذي الحجة وصل الأمير يشبك الصوفي المؤيدي نائب طرابلس إلى القاهرة وطلع إلى القلعة وقبل الأرض فحال وقوفه رسم السلطان بتوجهه إلى ثغر دمياط بطالًا وذلك لسوء سيرته في أهل طرابلس‏.‏

وفي عزل السلطان الأمير علان جلق المؤيدي عن حجوبية حلب لشكوى الأمير قاني باي الحمزاوي نائب حلب عليه ثم انتقض ذلك واستمر علان على وظيفته‏.‏

ووقع في هذه السنة - أعني ثلاث وخمسين - غريبة وهي أنه مات فيها من ذوات الأربع مثل الأغنام والأبقار وغيرها شيء كثير من عدم العلوفة لغلو الأسعار والفناء فأيقن كل أحد بتزايد أثمان الأضحية فلما كان العشر الأول من ذي الحجة وصل إلى القاهرة من البقر والغنم شيء كثير حتى أبيعت بأبخسر الأثمان‏.‏

ثم في يوم تاسع عشر ذي الحجة المذكور سمر نجم الدين أيوب بن بشارة وطيف به ثم وسط من يومه ووسط معه شخص آخر من أصحابه‏.‏

وقد ذكرنا سبب القبض عليه وما وقع له من تاريخنا ‏"‏ حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور ‏"‏ إذ هو محله‏.‏

ثم في يوم السبت رابع عشرينه عزل السلطان الأمير علان المؤيدي عن حجوبية حجاب حلب لأمر وقع بينه وبين نائب حلب الأمير قاني باي الحمزاوي ورسم بتوجه علان المذكور إلى مدينة طرابلس بطالًا واستقر عوضه في حجوبية حلب قاسم بن جمعة القساسي وأنعم بإقطاع قاسم على الأمير جانبك المؤيدي المعروف بشيخ المعزول أيضًا عن حجوبية حلب قبل تاريخه والإقطاع إمرة خاناه بدمشق‏.‏

وفيه رسم السلطان لماماي السيفي بيبغا المظفري أحد الدودارية الصغار بالتوجه إلى ثغر دمياط وأخذ الأمير يشبك الصوفي منه وتحبسه بثغر الإسكندرية مقيدًا ووقع ذلك‏.‏

ثم في يوم الخميس خامس عشرين ذي الحجة رسم باستقرار الأمير يشبك النوروزي حاجب حجاب دمشق في نيابة طرابلس عوضًا عن يشبك الصوفي المقبوض عليه قبل تاريخه وولاية يشبك المذكور طرابلس على مال كبير بذله له وحمل إليه التقليد والتشريف بنيابة طرابلس الأمير أسنباي الجمالي الساقي الظاهري جقمق ورسم السلطان بإعادة الأمير جانبك الناصري إلى حجوبية دمشق عوضًا يشبك النوروزي‏.‏

وفرغت هذه السنة والديار المصرية في غاية ما يكون من غلو الأسعار‏.‏

وفي هذه السنة أيضًا ورد الخبر بوقوع خسف بين أرض سيس وطرسوس ولم أتحقق‏.‏

مقدار الأرض التي خسفت‏.‏

وفيها أيضًا كان فراغ مدرسة زين الدين الأستادار بخط بولاق على النيل ولم أدر المصروف على بنائه من أي وجه ومن كان له شيء فله أجره‏.‏

واستهلت سنة أربع وخمسين وثمانمائة الموافقة لحادي عشرين مسرى والناس في جهد وبلاء من غلو الأسعار وسعر القمح ثمانمائة درهم الإردب وقد ذكر سعر جميع المأكولات في ‏"‏ حوادث الدهور ‏"‏‏.‏

ولما كان يوم السبت أول محرم سنة أربع وخمسين المذكورة وصل الأمير بردبك العجمي الجكمي المعزول عن نيابة حماة من ثغر دمياط وطلع إلى القلعة وأنعم السلطان عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق‏.‏

وفي هذه الأيام وصلت إلى القاهرة

 رمة قاسم المؤذي الكاشف غريم السفطي

ليدفن بالقاهرة‏.‏

ثم في يوم الخميس ثالث عشر المحرم وصل الأمير جرباش الكريمي أمير سلاح من الحجاز وتخلف قاضي القضاة بدر الدين الحنبلي عنه مع الركب الأول من الحاج‏.‏

وكان الزيني عبد الباسط بن خليل سبق الأمير جرباش من العقبة ودخل القاهرة قبل تاريخه وخلع السلطان على جرباش المذكور كاملية بمقلب سمور وخرج من عند السلطان ودخل إلى ابنته زوجة السلطان وهي يوم ذلك صاحبة القاعة الكبرى بالدور السلطانية وسلم عليها ثم نزل إلى داره المعروفة بالبيت الكبير تجاه القلعة‏.‏

ثم في يوم الجمعة ثامن عشرينه عقد السلطان عقد مملوكه الأمير أزبك من ططخ على ابنته من مطلقته خوند مغل بنت البارزي وكان العقد بقلعة الدهيشة بحضرة السلطان بعد نزول ثم في يوم الخميس رابع شهر صفر استقر أبو الفتح الطيبي أحد أصحاب أبي الخير النحاس في نظر جوالي دمشق ووكالة بيت المال بها على أنه يقوم في السنة للخزانة الشريفة بخمسين ألف دينار على ما قيل وما سيأتي من خبر أبي الفتح فأعجب‏.‏

وفي هذه الأيام ظهر رجل من عبيد قاسم الكاشف وشهر بالصلاح وتردد الناس لزيارته حتى جاوز أمره الحد وخشي على الناس من إتلاف عقائدهم فأمر السلطان الأمير تنبك حاجب الحجاب أن يتوجه إليه ويضربه ويحبسه وصحبته جانبك الساقي والي القاهرة‏.‏

فلما دخلا عليه تهاون الأمير تنبك في ضربه خشية من صلاحه‏.‏

وبلغ السلطان ذلك فرسم بنفيه إلى ثغر دمياط بطالًا ومسفره جانبك الوالي وتولى خشقدم الطواشي الظاهري الرومي ووالي القاهرة ضرب العبد المذكور وحبسه‏.‏

وقد أوضحت أمر هذا العبد وما وقع له في تاريخنا ‏"‏ الحوادث ‏"‏ فلينظر هناك‏.‏

ثم رسم السلطان بعد مدة بقدوم الأمير خشقدم الناصري المؤيدي أحد المقدمين بدمشق إلى القاهرة واستقراره في حجوبية الحجاب عوضًا عن تنبك المذكور ورسم للأمير علان المؤيدي المعزول عن حجوبية حلب بإقطاع خشقدم المذكور بدمشق‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء سادس عشر صفر رسم السلطان بنقل الأمير جانم الأمير آخور قريب الملك الأشرف برسباي من القدس الشريف وحبسه بسجن الكرك‏.‏

وكان جانم المذكور حبس عدة سنسن ثم أطلق وجاور بمكة سنيات ثم سأل في القدوم إلى القدس فأجيب وقدمه فتكلم فيه بعض أعدائه إلى أن حبس بالكرك ثانيًا‏.‏

ثم في يوم الخميس ثامن عشر صفر قدم الأمير قانم التاجر المؤيدي من بلاد الروم إلى القاهرة‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء ثالث عشرين صفر المذكور نودي بالقاهرة بأن لا يلبس النصارى واليهود على رؤوسهم أكثر من سبعة أذرع من العمائم لكونهم تعدوا في ذلك وزادوا عن الحد وفي هذه الأيام تزايد أمر النحاس وطغى وتجبر ونسي ما وقع له من البهدلة والإخراق‏.‏

وفي يوم الاثنين رسم السلطان بالإفراج عن عبد قاسم الكاشف من حبس المقشرة وتوجهه إلى حيث شاء ولا يسكن القاهرة‏.‏

ثم في يوم السبت ثاني عشر شهر ربيع الأول ورد الخبر بموت الأمير شاد بك الجكمي المعزول عن نيابة حماة بالقدس بعد مرض طويل‏.‏

ثم في يوم الخميس سادس عشره وصل إلى القاهرة الأمير خشقدم المؤيدي من دمشق وقبل الأرض وأنعم عليه السلطان بإمرة مائة وتقدمة ألف عوضًا عن تنبك البردبكي الحاجب بحكم نفيه إلى دمياط‏.‏

وفي هذا اليوم كان مهم الأمير أزبك وعرسه على بنت السلطان بالقاهرة في بيت خالها القاضي كمال الدين بن البارزي ولم يعمل بالقلعة‏.‏

ثم في يوم الاثنين حادي عشرين شهر ربيع الأول المذكور استقر خشقدم عوضًا عن تنبك المقدم ذكره في حجوبية الحجاب‏.‏

ثم في يوم الخميس ثاني شهر ربيع الآخر أنعم السلطان على تمراز الأشرفي الزردكاش كان بإقطاع علي باي الساقي الأشرفي بحكم وفاته‏.‏

قلت‏:‏ بئس البديل وإن كان كل منهما أشرفيًا فالفرق بينهما ظاهر‏.‏

وفي هذه الأيام عظم أمر النخاس حتى إنه ضاهى المقر الصاحبي ناظر الخواص في نفوذ الكلمة في الدولة لأمور صدرت بينهما يطول الشرح في ذكرها وليس لذلك فائدة ولا نتيجة وملخص ذلك أن أبا الخير عظم في الدولة حتى هابه كل أحد من عظماء الدولة إلا المقر الجمالي فأخذ أبو الخير يدبر في الباطن ويوغر خاطر السلطان عليه بأمور شتى ولم ينهض أن يحول السلطان عنه بسرعة لثبات قدمه في المملكة ولعظمه في النفوس‏.‏

كل ذلك والمقر الجمالي لا يتكلم في حقه عند السلطان بكلمة واحدة ولا يلتفت إلى ما هو فيه وأبو الخير في عمل جد مع السلطان في أمر الجمالي المذكور بكلتا يديه‏.‏

وبينما هو في ذلك أخذه الله من حيث لا يحتسب حسبما يأتي ذكره مفصلًا إن شاء تعالى‏.‏

ومن غريب الاتفاق أنه دخل عليه قيل محنة أبي الخير النخاس بمدة يسيرة رجل من أصحابه وأخذ في تعظيم المذكور وبالغ في أمره حتى قال إنه قد تم له كل شيء طلبه فأنشدته من باب المماجنة‏:‏ المتقارب إذا تم أمر بدا نقصه توق زوالًا إذا قيل تم وافترقنا فلم تمض أيام حتى وقع من أمره ما وقع‏.‏

ثم في يوم الاثنين ثالث عشر شهر ربيع الآخر المقدم ذكره نفي الأمير سودون الإينالي المؤيدي المعروف بقراقاش أحد أمراء العشرات ورأس نوبة لأمر مطول ذكرناه في ‏"‏ الحوادث ‏"‏‏.‏

وفي هذه الأيام برز المرسوم الشريف بعزل الأمير بيغوت من صفر خجا المؤيدي الأعرج عن نيابة حماة لأمور مطولة ذكرناها في ‏"‏ الحوادث ‏"‏ من أولها إلى آخرها وإلى حضوره إلى القاهرة وما وقع له ببلاد الشرق وغيره‏.‏

ورسم للأمير سودون الأبوبكري المؤيدي أتابك حلب باستقراره عوضه في نيابة حماة وأنعم بأتابكية حلب على الأمير علي باي العجمي المؤيدي وأنعم بتقدمة علي باي المذكور على إينال الظاهري جقمق وقد نفي قبل تاريخه من الديار المصرية‏.‏

مبدأ نكبة أبي الخير النحاس على سبيل الاختصار ولما كان يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى من سنة أربع وخمسين المذكورة أحضر السلطان إلى بين يديه مماليك الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدي أمير مجلس وعين منهم نحو العشرة ورسم بحبسهم بسجن المقشرة بسبب تجرئهم على أستاذهم المذكور وشكواه عليهم‏.‏

فلما أصبح من الغد في يوم الاثنين ثاني عشره انفض الموكب السلطاني ونزل الأمير تنم المذكور صحبة الأتابك إينال العلائي وغيره من الأمراء فلما صاروا تجاه سويقة منعم احتاطت بهم المماليك السلطانية الجلبان وخشنوا لتنم في القول بسبب شكواه على مماليكه فأخذ الأتابك إينال في تسكينهم وضمن لهم خلاص المماليك المذكورة من حبس المقشرة فخلوا عنهم ورجعوا غارة إلى زين الدين يحيى الأستادار فوافوه بعد نزوله من الخدمة بالقرب من جامع المارداني وتناولوه بالدبابيس فمن شدة الضرب ألقى بنفسه عن فرسه وهرب إلى أن أنجده الأمير أزبك الساقي والأمير جانبك اليشبكي الوالي وأركباه على فرسه وتوجها به إلى داره‏.‏

فلما فات المماليك زين الدين رجعوا غارة إلى جهة القلعة ووقفوا تحت الطبلخاناه السلطانية بالصوة في انتظار أبي الخير النحاس‏.‏

وبلغ النحاس الخبر فمكث نهاره عند السلطان بالقلعة لا ينزل إلى داره‏.‏

فشق ذلك المماليك واتفقوا على نهب دار أبي الخير النحاس فساروا من وقتهم إلى على هيئة مزعجة فوجدوا باب داره قد غلقه مماليكه وأعوانه وقد وقفت مماليكه بأعلى بابه لمنع المماليك من الدخول فوقع بينهم بعيض قتال ثم هجمت المماليك السلطانية على بابه الذي كان من بين السوريين وأطلقوا فيه النار واحترق الباب وما كان عليه من المباني‏.‏

ودخلوا إلى البيت وامتدت الأيدي النهب فما عفوا ولا كفوا وأخذوا من الأقمشة والأمتعة والصيني والتحف ما يطول الشرح في ذكره‏.‏

واستمرت النار تعمل في باب أبي الخير إلى أن اتصلت إلى عدة بيوت بجواره ولم تصل النار إلى داره لأنها كانت فوق الريح وأيضا كانت بالبعد عن الباب وهي الدار التي عمرها قديمًا صلاح الدين بن نصر الله وانتقلت بعده إلى أقوام كثيرة حتى ملكها النحاس هذا وجددها وتناهى فيها‏.‏

ثم حضر والي القاهرة وغيره لطفي النار فطفيت بعد جهدة ولما انتهى المماليك من النهب وعلموا أنه لم يبق بالدار ما يؤخذ توجهوا إلى حال سبيلهم وقد تركوا بيت النحاس خاليًا من جميع ما كان فيه بعد أن سلبوا حريمه جميع ما كان عليهن من الأقمشة وأفحشوا في أمرهن من الهتكة والجرجرة والهجم عليهن‏.‏

وعادوا من دار النخاس وشقوا باب زويلة وقد غلقت عدة حوانيت بالقاهرة لعظم ما هالهم من النهب في بيت النحاس فمضوا ولم يتعرضوا لأحد بسوء‏.‏

وباتوا تلك الليلة وأصبحوا يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الأولى المذكور ووقفوا بالرملة محدقين بالقلعة مصممين على الفتك بأبي الخير النخاس وقد بات النحاس بالقلعة وطلبوا تسليمه من السلطان وعزل جو النوروزي عن تقدمة المماليك وعزل زين الدين الأستادار عن الأستادارية وانفض الموكب ونزل كل من الأعيان إلى داره في خفية ونزل الأمير تمربغا الظاهري الدوادار الثاني والأمير أزبك الساقي وبردبك البجمقدار إلى نحو بيوتهم فلما صاروا بالرملة ضربوا عليهم المماليك الجلبان حلقة وكلموهم في عودهم إلى السلطان والتكلم معه في مصالحهم فقال لهم تمربغا‏:‏ ‏"‏ ما هو غرضكم ‏"‏ قالوا‏:‏ ‏"‏ عزل جوهر مقدم المماليك وتسليم غريمنا ‏"‏ يعنون النحاس‏.‏

فعاد تمربغا إلى القلعة من وقته وعرف السلطان بمقصودهم‏.‏

وكان الأمير الكبير إينال قد طلع باكر النهار إلى القلعة وصحبته الأمير أسنبغا الطياري رأس نوبة النوب وأما الأمير تنم فإنه كان طلع إلى القلعة من أمسه وبات بها في طبقة الزمام وأجمع رأيه أنه لا ينزل من القلعة إلى أن يفرج عن مماليكه المحبوسين خشية من المماليك الجلبان‏.‏

فلما طلع الأمير الكبير باكر النهار شفع في مماليك الأمير تنم فرسم بإطلاقهم‏.‏

ثم تكلم الأمير الكبير مع السلطان في الرضى عن المماليك الجلبان والسلطان مصمم على مقالته التي قالها بالأمس أنه يرسل ولده المقام الفخري عثمان وحريمه إلى الشام ويتوجه هو إلى حال سبيله فنهاه الأمير الكبير عن ذلك‏.‏

وقام السلطان ودخل إلى الدهيشة فكلمه بعض أمرائه أيضًا في أمرهم فشق ثوبه غيظًا منه ونزل الأمير الكبير ثم كان نزول تمربغا والمقصود أن تمربغا لما عاد إلى السلطان وعرفه قصد المماليك وقبل أن يتكلم سبقه بعض أمرائه وأظنه الأمير قراجا الخازندار وقال‏:‏ ‏"‏ يجبر مولانا السلطان خاطر مماليكه بعزل المقدم وإخراج النحاس من القاهرة فانقاد السلطان إلى كلامه ورسم بعزل جوهر مقدم المماليك وتوجهه إلى المدينة الشريفة وإخراج النخاس إلى مكة المشرفة وعاد تمربغا إلى المماليك بهذا الخبر فرضوا وتوجه كل واحد إلى حال سبيله وتم ذلك إلى بعد الظهر من اليوم المذكور‏.‏

فلما كان بعد الظهر توجه جماعة من المماليك إلى الأمير أسنبغا الطياري رأس نوبة النوب وكلموه أن يطلع إلى السلطان ويطلب منه إنجاز ما وعدهم به من إخراج النحاس وعزل المقدم فركب أسنبغا من وقته وطلع إلى السلطان وكلمه في ذلك فلما سمع السلطان مقالة أسنبغا اشتد غضبه وطلب في الحال جوهرًا مقدم المماليك ونائبه مرجان العادلي المحمودي وخلع عليهما باستقرارهما ورسم أن يكون النحاس على حاله أولًا بالقاهرة ورسم للأمير تغري برمش اليشبكي الزردكاش أن يستعد لقتال المماليك الجلبان فخرج الزردكاش من وقته ونصب عدة مدافع على أبراج القلعة وصمم السلطان على قتال مماليكه المذكورين‏.‏

وبلغ الأمراء ذلك فطلع منهم جماعة كبيرة إلى السلطان وأقاموا ساعة بالدهيشة إلى أن أمرهم السلطان بالنزول إلى دورهم ونزلوا‏.‏

واستمر الحال إلى باكر يوم الأربعاء رابع عشره فجلس السلطان بالحوش على الدكة ثم التفت إلى شخص من خاصكيته وقال له‏:‏ ‏"‏ أين الذين قلت عنهم ‏"‏ فقال‏:‏ ‏"‏ الآن يحضروا ‏"‏ فقال السلطان‏:‏ ‏"‏ انزل إليهم وأحضرهم ‏"‏ فنزل الرجل من وقته وقام السلطان إلى الدهيشة ونزل المذكور إلى المماليك وأخذ منهم جماعة كبيرة وطلع بهم إلى السلطان فلما مثلوا بين يديه قال لهم‏:‏ ‏"‏ عفوت عنكم امضوا إلى أطباقكم ‏"‏ فلم يتكلم أحد منهم بكلمة‏.‏

واستمر أبو الخير بالقلعة خائفًا من النزول إلى داره وقد أشيع سفره إلى الحجاز إلى أن كان يوم الخميس خامس عشر جمادى الأولى نزل أبو الخير إلى داره على حين غفلة قبل العصر بنحو خمس درج وانحاز بداره وقفل الباب عليه إلى يوم الأربعاء حادي عشرينه فوصل البلاطنسي من دمشق وطلع إلى السلطان وشكا على أبي الفتح الطيبي الذي ولي وكالة بيت مال دمشق بسفارة النحاس وذكر عنه عظائم فعزله السلطان ورسم بحضوره إلى القاهرة في جنزير ورسم لأبي الخير النحاس بالسفر إلى المدينة الشريفة ونزل البلاطنسي من القلعة بعد أن أكرمه السلطان وحصل على مقصوده من عزل أبي الفتح الطيبي‏.‏

ورسم السلطان لأبي الخير المذكور أن يكتب جميع موجوده ويرسله إلى السلطان من الغد ورسم أيضًا بعمل حسابه‏.‏

وتردد إليه الصفوي جوهر الساقي كل قبل السلطان غير مرة وكثر الكلام بسببه فقلق النحاس من ذلك غاية القلق وعلم بزوال أمره‏.‏

فأصبح من الغد في يوم الخميس ثاني عشرينه طلع إلى القلعة في الغلس من غير إذن السلطان واختفى بالقلعة في مكان إلى أن انفض الموكب فتحيل حتى دخل على السلطان واجتمع به‏.‏

ثم نزل من وقته وقد أصلح ما كان فسد من أمره وأنعم له السلطان بموجوده وترك له جميع ما كان عزم على أخذه‏.‏

واستمر بداره وقد هابته الناس وكثر تردادهم إليه‏.‏

ورسم بإبطال ما كان رسم به من عزل أبي الفتح الطيبي وإحضاره وأمر البلاطنسي بالسفر إلى دمشق بعد أن لهج الناس بحبسه في سجن المقشرة فتحقق الناس بهذا الأمر ميل السلطان لأبي الخير وكف جميع أعداء النحاس عن الكلام في أمره مع السلطان‏.‏

واستمر بداره والناس تتردد إليه إلى يوم الخميس تاسع عشرين جمادى الأولى المذكور رسم السلطان لجوهر الساقي بنزوله إلى أبي الخير النحاس ومعه نقيب الجيش ويمضيا به إلى بيت قاضي القضاة شرف الدين يحيى المناوي الشافعي ليدعي عليه التاجر شرف الدين موسى التتائي الأنصاري بمجلس الشرع بدعاو كثيرة ورسم السلطان لجوهر أن يحتاط بعد ذلك على جميع موجوده‏.‏

فنزل جوهر المذكور من وقته إلى أبي الخير النحاس وأخرجه من داره ماشيًا ممسوكًا مع نقيب الجيش وقد ازدحم الناس على بابه للتفرج عليه والفتك به فحماه جوهر ومن معه من المماليك منهم وأخذه ومضى‏.‏

وانطلقت الألسن إليه بالسب واللعن والتوبيخ وجوهر يكفهم عنه ساعة بعد ساعة وهم خلفه وأمامه وهو مار في طريقه ماشيًا إلى أن وصل بيت القاضي المذكور بسويقة الصاحب من القاهرة وأدخلوه إلى المدرسة الصاحبية محتفظًا به مع رسل الشرع‏.‏

وعاد جوهر الساقي وشرف الدين التتائي إلى الحوطة على موجود أبي الخير النحاس بداره وحواصله‏.‏

ووجدت العامة بغياب جوهر فرصة إلى الدخول على أبي الخير المذكور فهجموا عليه وأخذوه من أيدي الرسل وضربوه ضربًا مبرحًا فصاحت رسل الشرع عليهم وأخذوه من أيديهم وهربوه إلى مكان بالمدرسة المذكورة‏.‏

وأعلموا القاضي بذلك فأرسل القاضي خلف الأمير جانبك والي القاهرة حتى حضر وقدر على إخراجه من المدرسة المذكورة إلى بيت القاضي وادعى شرف الدين التتائي عليه بدعاو يطول الشرح في ذكرها‏.‏

والسبب الموجب لهذه القضية أن أبا الخير النخاس لما وقع له ما وقع وأقام بالقلعة من يوم الاثنين إلى يوم الخميس ثم نزل قبيل العصر إلى داره بقي الناس في أمره على قسمين‏:‏ فمن الناس من لا سلم عليه ولا راعاه ومنهم من صار يترحبه ويتردد إليه‏.‏

ودام على ذلك إلى أن طلع أبو الخير إلى السلطان من غير إذن وأصلح ما كان فسد من أمره ونزل إلى داره وقد وقع بينه وبين وسبب ذلك أن شرف الدين كان في هذه المدة هو رسول النحاس إلى السلطان ومهما كان للنخاس من الحوائج يقضيها له عند السلطان فظهر لأبي الخير المذكور بطلوعه إلى القلعة في ذلك اليوم أن شرف الدين ليس هو له بصاحب وأنه ينقل عنه إلى السلطان ما ليس هو مقصوده بل ينهي عنه ما فيه دماره فنزل إلى شرف الدين وأظهر له المباينة وتوعده بأمور إن طالت يده فانتدب عند ذلك شرف الدين له ودبر عليه وساعدته المقادير مع بغض الناس قاطبة له حتى وقع ما حكيناه وادعى عليه بدعاو كثيرة‏.‏

واستمر أبو الخير في بيت القاضي شرف الدين في الترسيم وهو يسمع من العامة والناس من أنواع البهدلة والسبب ما لا مزيد عليه مواجهة بل يزدحمون على باب القاضي لرؤيته وصارت تلك الحارة كبعض المفترجات لعظم سرور الناس لما وقع لأبي الخير المذكور حتى النساء وأهل الذمة‏.‏

وأصبح من الغد نهار الجمعة طلب السلطان خيوله ومماليكه فطلعوا بهم في الحال بعد أن شقوا بهم القاهرة وازدحم الناس لرؤيتهم فكانت عدة الخيول نيفًا على أربعين فرسًا منها بغال أزيد من عشرة والباقي خيول خاص هائلة والمماليك نحو من عشرين نفرًا‏.‏

واستمر شرف الدين يتتبع آثاره وحواصله هذا بعد أن أشهد على أبي الخير المذكور أن جميع ما يملكه من الأملاك والذخائر والأمتعة والقماش وغير ذلك هو ملك السلطان الملك الظاهر دون ملكه ثم في يوم السبت أول جمادى الآخرة رسم بفتح حواصل أبي الخير ففتحت فوجد فيها من الذهب العين نحو سبعة عشر ألف دينار ووجد له من الأقمشة والتحف والقرقلات التي برسم الحرب والصيني الهائل والكتب النفيسة أشياء كثيرة ووجد له حجج مكتتبة على جماعة بنحو ثلاثين ألف دينار‏.‏

فحمل الذهب العين إلى السلطان وبعض الأشياء المستظرفة وختم على الباقي حتى تباع‏.‏

ودام شرف الدين في الفحص على موجوده‏.‏

وأخرج السلطان جميع تعلقات النحاس من الإقطاعات والحمايات والمستأجرات وغير ذلك‏.‏

ثم في يوم الأحد ثاني جمادى الآخرة خلع السلطان على المقر الجمالي ناظر الخواص وعلى زين الدين الأستادار خلعتي الاستمرار‏.‏

وخلع على شرف الدين موسى التتائي باستقراره في جميع وظائف أبي الخير النحاس وهم عدة وظائف ما بين نظر البيمارستان المنصوري ونظر الجوالي ونظر الكسوة ووكالة بيت المال ونظر خانقاه سعيد السعداء ووكيل السلطان ووظائف آخر دينية ومباشرات ولبس شرف الدين خفًا ومهمازًا وتولى جميع هذه الوظائف عوضًا عن أبي الخير دفعة واحدة‏.‏

قلت‏:‏ وما أحسن قول المتنبي في المعنى‏:‏ ‏"‏ الطويل ‏"‏

بذا قضت الأيام ما بين أهلها ** مصائب قوم عند قوم فوائد

هذا والفقهاء والمتعممون قد ألزموهم المماليك الجلبان بعدم ركوب الخيل بحيث إنه لم يستجر أحد منهم أن يعلو على ظهر فرس إلا أعيان مباشري الدولة وجميع من عداهم قد ابتاعوا البغال وركبوها حتى تزايد لذلك سعر البغال إلى أمثال ما كان أولًا‏.‏

ثم أمر السلطان في اليوم المذكور بنقل أبي الخير النخاس من بيت القاضي الشافعي يحيى المناوي من سويقة الصاحب إلى بيت المالكي ولي الدين السنباطي بالحرب الأصفر ليدعى عليه عند القاضي المذكور بدعاو‏.‏

فأخذه والي القاهرة ومضى به من بيت القاضي الشافعي إلى بيت المالكي وقد أركبه حمارًا وشق به القاهرة والناس صفوف وجلوس بالشوارع والدكاكين وهم ما بين شامت وضاحك ثم باك فأما الشامت فهو من آذاه وظلمه والضاحك من كان يعرفه قديمًا ثم ترافع عليه والباكي معتبر بما وقع له من ارتفاعه ثم هبوطه قلت‏:‏ وقد قيل في الأمثال‏:‏ ‏"‏ على قدر الصعود يكون الهبوط ‏"‏‏.‏

وسار به الوالي على تلك الهيئة إلى أن أدخله إلى بيت القاضي المالكي‏.‏

وادعى عليه السيد الشريف شهاب الدين أحمد بن المصبح دلال العقارات بدعوى شنعة أوجبت وضع الجنزير في رقبة أبي الخير النحاس بعد أن كتب محضرًا بكفره‏.‏

وأقام الشريف البينة عند القاضي المالكي بذلك فلم يقبل القاضي بعض البينة‏.‏

واستمر أبو الخير في بيت القاضي في الترسيم على صفة نسأل الله السلامة من زوال النعم إلى عصر يومه فنقل إلى حبس الديلم على حمار وفي رقبته الجنزير ومر بتلك الحالة من الشارع الأعظم وعليه من الذل والصغار ما أحوج أعداءه الرحمة عليه وحاله كقول القائل‏:‏ ‏"‏ السريع ‏"‏ لم يبق إلا نفس خافت ومقلة إنسانها باهت يرثي له الشامت مما به يا ويح من يرثي له الشامت قلت‏:‏ وأحسن من هذا قول من قال‏:‏ مجزوء الكامل يا من علا وعلوه أعجوبة بين البشر غلط الزمان برفع قد - - رك ثم حطك واعتذر ويعجبني أيضًا في هذا المعنى قول القائل‏:‏ البسيط لو أنصفوا أنصفوا لكن بغوا فبغي عليهم فكأن العز لم يكن جاد الزمان بصفو ثم كدره هذا بذاك ولا عتب على الزمن وقد سقنا أحوال أبي الخير هذا في ترجمته في تاريخنا ‏"‏ المنهل الصافي المستوفى بعد الوافي ‏"‏ بأوسع من هذا إذ سياق الكلام منتظم مع سياقه في محل واحد وأيضًا قد حررنا أموره بأضبط من هذا في تاريخنا ‏"‏ حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور ‏"‏ إذ هو موضوع لتحرير الوقائع وما ذكرناه هنا على سبيل الاستطراد من شيء إلى شيء‏.‏

واستمر أبو الخير بسجن الديلم إلى ما يأتي ذكره من خروجه من السجن ونفيه ثم حبسه وجميع ما وقع له إلى يومنا هذا إن شاء الله تعالى‏.‏

وفي يوم حبس النحاس بحبس الديلم ظهر القاضي ولي الدين السفطي من اختفائه نحو ثمانية أشهر وسبعة أيام وطلع من الغد في يوم الخميس سادس جمادى الآخرة إلى السلطان فأكرمه السلطان ونزل إلى داره‏.‏

ثم في يوم السبت ثامنه ندب السلطان إينال الأشرفي المتفقه ليتوجه إلى دمشق لكشف أخبار أبي الفتح الطيبي والفحص عن أمره‏.‏

وفي هذه الأيام ترادفت الأخبار من حلب وغيرها بمسير جهان شاه بن يوسف صاحب تبريز على معز الدين جهان كير بن علي بك بن قرايلك صاحب آمد وأن جهان كير ليس له ملجأ إلا القدوم إلى البلاد الحلبية مستجيرًا سلطان وأن جهان شاه يتبعه حيثما توجه فتخوف أهل حلب من هذا الخبر ونزح منها جماعة كثيرة وغلا بها ثمن ذوات الأربع لأجل السفر منها‏.‏

ومدلول هذه الحكايات طلب عسكر يخرج من الديار المصرية إلى البلاد الشاميه فأوهم السلطان بخروج تجريدة ثم فتر عزمه عن ذلك‏.‏